قضية "كوتش بـ 1000 دولار": صدمة الرأي العام المغربي أم بداية وعي جديد؟
في الآونة الأخيرة، شهدت الساحة الرقمية المغربية موجة من الجدل والانتقادات، تمحورت حول إعلان مفاجئ من أحد الأسماء البارزة في مجال الفيتنس الرقمي، ويتعلق الأمر باليوتيوبر والكوتش "أسامة بوخ"، الذي أعلن عن إطلاق خدمة "VIP Coaching" بثمن قدره 1000 دولار. إعلان بسيط في ستوري إنستغرام، لكنه أشعل فتيل نقاش واسع حول القيمة، الثقة، النية، الاقتصاد، ومفهوم "النجاح" في الويب المغربي. فما الذي جرى بالتحديد؟ ومن هو أسامة؟ ولماذا أثار إعلانه كل هذا الجدل؟ وهل يستحق فعلاً هذا الثمن؟ إليك القصة كاملة.
من القاعة الرياضية الى الضوء
● البداية البسيطة
أسامة لم يكن دائمًا تحت الأضواء. بدأ مشواره الرياضي مبكرًا، حين دخل أول صالة رياضية في عمر 16 سنة، ومنذ ذلك الحين، لم يعرف التوقف. لم يقطع يوماً عن التمارين، كما قال، فالديسيبلين والانضباط صار نمط حياة. في عمر 18 سنة، كان قد وصل إلى مستوى متقدم في البنية العضلية، مما جعل كثيرين يستغربون: "كيفاش طفل صغير داير هاد الفورما؟"
● من الكوتشينغ المجاني إلى بناء مجتمع
بدأ أسامة ككوتش بأجر بسيط، 300 درهم في الأسبوع فقط، مدفوعًا بالشغف أكثر من المال. كان يمنح طاقة إيجابية لمرتادي الصالة، ما جعل الكثيرين يتبعونه فقط للاستفادة من حماسه. ومع الوقت، سمع نصيحة صديق: "علاش ما تبارطاجيش هادشي فـ يوتيوب؟"، وهكذا كانت أولى خطواته نحو المحتوى الرقمي.
** الانفجار الرقمي**
● اللحظة المفصلية: "الدوكيمونتير"
رغم بداياته المتواضعة، فإن لحظة الشهرة الحقيقية جاءت مع ظهور أسامة ضمن مجموعة من اليوتيوبرز المغاربة في سلسلة وثائقية عن الفيتنس، أطلقها المؤثر المعروف عبد الإله، بعنوان "ثورة الفيتنس المغربي". الوثائقي جمع أربعة أسماء، من بينهم أسامة، وكان بمثابة نقطة تحول في المشهد الرقمي المغربي.
النجاح الذي حققه العمل كان غير متوقع، ليس فقط على مستوى مشاهدات اليوتيوب، بل على مستوى الانتشار الجماهيري في المغرب وخارجه. فجأة، صار لأسامة آلاف المتابعين، وبدأت تتغير حياته... للأفضل والأسوأ في آن واحد.
** من الفيتنس إلى "الهيت"**
● النجاح لا يأتي وحيدًا
مع الشهرة، جاءت أيضاً الانتقادات. الهيترز تكاثروا، خصوصاً من داخل المجال نفسه. كثيرون اعتبروا أن أسامة وأصدقائه "خطفوا الأضواء"، وتساءلوا: "علاش حنا ما كناش فذاك الدوكيمونتير؟". أما البعض الآخر، فقد رأى أن الوثائقي لا يستحق تسميته كذلك، واعتبروه مجرد بروباغندا.
أسامة من جهته لم ينكر أن النجاح قد جلب له فوائد كثيرة: "من بعد داك الدوكيمونتير، جاني بزاف ديال الكلاينس، والناس ولات كتثق فيا". لكن مع ذلك، كان عليه التعامل مع موجات متكررة من "الهيت"، خاصة مع كل خطوة جديدة يخطوها نحو الأعلى.
** خطوة دبي... البداية الجديدة**
● القرار المثير
في مرحلة معينة، أعلن أسامة أنه قرر الانتقال إلى دبي، ما شكل صدمة للعديد من متابعيه. المدينة صارت رمزاً للمؤثرين، للنجاح، وللثراء، لكنها في نفس الوقت مرتبطة في أذهان المغاربة بـ"النصب الرقمي"، خصوصاً في ظل انتشار منصات "التريدينغ" التي اتُّهم الكثير منها بخداع الناس.
● تداول، تريدينغ، أم مجرد بيزنس؟
أسامة أوضح أنه ليس تريدر. هو فقط يعمل مع تريدر محترف ويستفيد من عمولات حينما يربح العملاء. وقال بصراحة: "أنا ما كنربحش من خسارة بنادم". لكنه في نظر الجمهور، كان جزءًا من المنظومة، وهذا وحده كافٍ لتشويه صورته، مهما كانت نواياه.
** 1000 دولار مقابل خدمة؟**
● القشة التي قسمت ظهر الهيترز
بعد فترة قصيرة من إقامته في دبي، أعلن أسامة إطلاق خدمة VIP Coaching بثمن 1000 دولار لمدة شهرين. الهدف؟ تقديم خدمة كوتشينغ فردية، دقيقة، يومية، تعتمد على فيديو كول أسبوعي ومتابعة تغذوية ورياضية لصيقة.
هذا الإعلان، رغم أنه موجه لفئة محددة من الجمهور (القادر على الأداء)، أثار موجة سخط كبيرة. لماذا؟
● تحليل موجة الغضب
السعر غير معتاد في السياق المغربي، حيث لا تتجاوز خدمات الكوتش العادي 1500 درهم.
اللغة والأسلوب: الإعلان تم بـ"الدارجة" وموجه لمتابعين معظمهم مغاربة، مما أعطى انطباعًا بأن العرض موجه "للناس العاديين ".
الترتيب الغريب: من تريدينغ إلى كوتشينغ بـ1000 دولار... " فاش بغيتي تفهمنا؟ " قالها أحد المتابعين.
غياب الشهادات المعتمدة: لم يقدم أسامة، حسب البعض، أدلة كافية على كفاءته المهنية تبرر هذا السعر المرتفع.
** السوق الحر والوعي المجتمعي**
● هل فعلاً الثمن مشكل؟
الحقيقة أن السوق هو من يقرر. إن وجد أسامة زبناء مستعدين لدفع 1000 دولار، فذلك من حقه. المشكلة الحقيقية ليست في الثمن، بل في غياب ثقافة القيمة مقابل الخدمة. كثير من الناس لم يفهموا أن هناك مستويات متعددة من الخدمات، وأن من لا يملك المال، فله خدمات بأسعار رمزية.
● من المسؤول عن غياب الثقة؟
تجارب سابقة من نصب واحتيال رقمي باسم "الكوتشينغ" أو "التريدينغ" جعلت الجمهور المغربي حذرًا ومشككًا. كل من يرتدي قميصًا ضيقًا ويتحدث من دبي يُتهم تلقائيًا بالنصب، حتى لو كان صادقًا. أسامة وقع في فخ الصورة النمطية، رغم محاولاته المتكررة لتوضيح موقفه.
** أسامة يتحدث بصراحة**
في حوار مباشر مع أحد الستريمرز المغاربة، اختار أسامة أن يوضح الأمور بنفسه:
"أنا خدام ديما": يشتغل منذ سن 17 عامًا، لم يقطع التمارين يومًا، ولديه خبرة عشر سنوات.
"أنا ماشي سكامر": يقدم خدمة حقيقية، متكاملة، ويشتغل مع تريدر محترف.
"أنا ما كنديش 1000 درهم فالشهر": يعتبر أن الوقت، الجهد، والخبرة يجب أن تُثمن كما في باقي دول العالم.
"كاين ناس لاباس عليهم وباغيين الخدمة هادي": السوق يتطلب تنويع الخدمات، والناس أحرار في الدفع من عدمه.
** نقد بنّاء أم هجوم مجاني؟**
● هل يستحق أسامة ما تعرض له؟
النقاش مهم، لكن في كثير من الأحيان يتحول في المغرب من نقاش بناء إلى حملة تشويه. فبدل طرح الأسئلة المناسبة:
ما القيمة الحقيقية وراء الخدمة؟
ما معايير الجودة؟
ما هي الشهادات والخبرة؟
يركز البعض فقط على الثمن والصورة والنية المفترضة، فيختلط العقل بالعاطفة، وتضيع فرص حقيقية لفهم الواقع الرقمي الجديد.
الرسائل الخفية
● ثلاث رسائل يمكن استخلاصها من هذه القضية:
الويب المغربي ينضج: بقدر ما فيه فوضى، بقدر ما بدأ الجمهور يطالب بالتوضيحات، الكفاءات، والشفافية.
القيمة لا تُحدد بالسعر فقط: هناك فرق بين ثمن الخدمة وقيمتها. يجب تحليل العرض بناءً على ما يُقدم لا فقط على رقم بالدولار.
المؤثرون يجب أن ينتبهوا أكثر: اختيار اللغة، توقيت الإعلان، والطريقة لها وزن كبير، خصوصاً في سياق حساس مثل المغرب.
** ما بعد العاصفة**
رغم العاصفة، استطاع أسامة أن يُبرم بعض العقود، ويجد زبناء مستعدين لتجربة عرضه . في نفس الوقت، وعد بأن يُطلق نسخة أرخص من الخدمة قريبًا، بأسعار رمزية، حتى يتمكن الجميع من الاستفادة.
الموضوع لم ينتهِ بعد، وربما سيتكرر الجدل مع مؤثر آخر، أو مع عرض آخر... لكن الأكيد أن ما نحتاجه اليوم هو نقاش ناضج، متزن، وعادل.
** أسامة بوخ، الكوتش، الإنسان، والمؤثر**
هل أخطأ أسامة؟ ربما في بعض التفاصيل. هل أصاب؟ بالتأكيد في الكثير من المبادرات. هل يستحق 1000 دولار؟ الجواب عند من يدفع. لكن هل يستحق الاحترام؟ نعم، على الأقل لأنه يشتغل بجد، ويوضح مواقفه، ولا يختبئ وراء شعارات مزيفة.